الشمّاعةُ التي لا تهتَرئ وهيب أيوب - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني


الشمّاعةُ التي لا تهتَرئ
قناديل: وهيب أيوب 22\12\2010
من العسير على الأفراد، كما المجتمعات، التقدّم والارتقاء بحياتهم، ما داموا يصرّون على إلقاء أخطائهم على الغير، وأن يجدوا دائماً لكل الأخطاء التي يرتكبونها شمّاعة يُعلّقوا عليها إخفاقاتهم وسقطاتهم، دون أن يتداركوا محاسبة أنفسهم ومراجعة الذات فيما يفعلون.
إنّها الذهنيّة النمطيّة السائدة في مجتمعاتنا العربيّة، التي يحلو لها رمي أي مسؤولية عن كاهلها في ما آلت إليه أوضاعها من ذلٍّ وهوانٍ وتقهقر.
لنُعطي بعض الأمثلة والنماذج عن كيفية تعاطينا مع أخطائنا في حياتنا اليوميّة، وعن زلاّت اللسان، التي تكشِف كيف أنّنا باللاوعي نتنصّل من مسؤولياتنا عن سلوكيات وحماقات نقوم بارتكابها، ثُمّ نحيلها إلى الشمّاعة المعهودة:
أ‌- يقول أحدهم: سبقني الباص، الأخو كذا وكذا...! ولا يقول أنّه هو الذي تأخّر عن موعد انطلاق الباص...؟!
ب‌- "سقـّطني التستري" (tester) ابن الـ... في امتحان قيادة السيارة...! ولا يقول أنّه تجاوز الإشارة الحمراء، أو أنّه كاد أن يدهس شخصاً على خط المُشاة، و... و...؟!
ت‌- أخوات هالـ... في البنك، لقد أعادوا لي الشيكات ولم يصرفوها...! ولا يقول أنّه لم يُدخل في رصيده مالاً لصرفها..؟!
ث‌- "هالبنت الألف.... السيّارة"، قطعتني من البنزين في وسط الشارع...! ولا يقول أنّه هو من نسيَ أو تقاعص عن ملء خزان الوقود، على الرغم من أنّ السيّارة البكماء قد أعطته إشارة ضوئيّة بقرب نفاذ الوقود..؟!
ج‌- "سقـّطني معلـّم الرياضيات أخو الـ.... في الامتحان"...! ولا يقول بأنّ إجاباته كان كلّها أو معظمها خاطئة، وأنّه لم يقم بالتحضير بالشكل الكافي للامتحان..؟!
ح‌- تهجّم عليّ جاري وشتمني وأراد ضربي إبن الـ.... ! ولا يقول أنّه قد قام باقتناص مترين من أرض جارِهِ...؟!
خ‌- يقوم صاحب هذا الحانوت فُلان، بالصراخ عليّ دائماً ويشوّه سمعتي بين الناس...! ولا يقول أنّه لم يدفع المستحقات وثمن ما استدانه لعدة أشهر أو سنوات...؟!
د‌- لقد قام هذا الشرطي اللعين إبن الستين ألف... بتحرير مخالفة في حقّي أثناء قيادتي السياّرة...! ولا يقول أنّه تجاوز السرعة، أو خالف إشارة المرور، أو... أو...؟!
وطبعاً لدى كلّ إنسان منّا ما يُضيفه على هذه القائمة المترامية الأطراف.
يحصل هذا دائماً على صعيد الأفراد في مجتمعاتنا، ويتدرّج صعوداً حتى يصل لأعلى المراكز في الدولّة والمؤسّسات والحكومة، فالشمّاعة وذهنية المؤامرة جاهزِة لكل الأخطاء والكوارث التي يرتكبونها بحق الشعب والوطن. وأما شمّاعتهم الدائمة فهم الخصوم والأعداء الخارجيين..!
بتلك الذهنية الهروبيّة المهزومة الغير قادرة على الإقرار بأخطائها ونهجها الموصل إليه، تستمر الأوضاع على ما هي عليه، فلا الشمّاعة تهترئ ولا الأخطاء والكوارث تتوقّف، لأن في غياب الضمير والنزاهة والشجاعة والجرأة على قول الحقائق كما هي، والاعتراف ما كسبت أيدينا وتصرفاتنا في حقِّ أنفسنا كما في حقِّ غيرنا، سيقودنا إلى مزيدٍ من التخلّف والتقهقر.
فالمسألة أساساً تتعلّق في بنية هذي المجتمعات، والتربيّة التي نهجت عليها، وتلك الذهنيّة النمطيّة التي يقودها العقل الباطن، تُمارَس عملها يوميّاً، والتي يقودها العقل الباطن دون أن يُدرِك أصحابها أنّ السبب الأساسيّ هو افتقاد الوعي والإدراك لسقطات اللسان وزلاّته التي تفلت منه، كما تفلت حبّات المطرِ من السماء، والتي تقود دائماً لذات الفعل في السلوك اللاّ مسؤول الذي يُلقي دائماً بأخطائه على عواهن الشمّاعة التعيسة.
إنّ غياب النقد الذاتي ومراجعة النفس والأفعال التي نقوم بها يوميّاً، وتقييم ما قد فعلناه بحقِّ الآخرين وأنفسِنا، يجعلنا أسرى الشمّاعة دون فكاك. وكُلّما ازداد الفشل والسقوط، ازداد استخدام الشمّاعة. وأن تلك الذهنية النمطيّة الغارقة في أوهام المؤامرة، وأن الجميع يترصّدنا لاصطيادنا، لن تُفضي إلاّ باستمرارنا ارتكاب الأخطاء في حقّ أنفسنا والآخرين. وكما أنّ شمّاعة الأخطاء لا تزول ولا تهترئ، فإن أخطاءنا لن تتوقّف.